Ibn Khaldoun - إبن خلدون
Al Muqaddima Part 103 : القسم الثاني من الفصل 53 في أمر الفاطمي
القسم الثاني من الفصل الثالث و الخمسون في أمر الفاطمي و ما يذهب إليه الناس في شأنه و كشف الغطاء عن ذلك و خرج الطبراني في معجمه الأوسط عن طلحة بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ستكون فتنة لا يسكن منها جانب إلا تشاجر جانب حتى ينادي مناد من السماء أن أميركم فلان. 1 هـ. و فيه المثنى بن الصباح و هو ضعيف جداً. و ليس في الحديث تصريح بذكر المهدي و إنما ذكروه في أبوابه و ترجمته استئناساً. فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي و خروجه آخر الزمان. و هي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل و الأقل منه. و ربما تمسك المنكرون لشأنه بما رواه محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح بن أبي عياش عن الحسن البصري عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: لا مهدي إلا عيسى بن مريم و قال يحيى بن معين في محمد بن خالد الجندي: إنه ثقة. و قال البيهقي: تفرد به محمد بن خالد. و قال الحاكم فيه: أنه رجل مجهول و اختلف عليه في إسناده فمرة يروونه كما تقدم و ينسب ذلك لمحمد بن إدريس الشافعي و مرة يروونه عن محمد بن خالد عن أباب عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلاً. قال البيهقي: فرجع إلى رواية محمد بن خالد و هو مجهول عن أبان بن أبي عياش و هو متروك عن الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم و هو منقطع و بالجملة فالحديث ضعيف مضطرب. و قد قيل أن لا مهدي إلا عيسى أي لا يتكلم في المهد إلا عيسى يحاولون بهذا التأويل رد الاحتجاج به أو الجمع بينه و بين الأحاديث و هو مدفوع بحديث جريج و مثله من الخوارق. و أما المتصوفة فلم يكن المتقدمون منهم يخوضون في شيء من هذا لم إنما كان كلامهم في المجاهدة بالأعمال و ما يحصل عنها من نتائج المواجد و الأحوال و كان كلام الإمامية و الرافضة من الشيعة في تفصيل علي رضي الله عنه و القول بإمامته و ادعاء الوصية له بذلك من النبي صلى الله عليه و سلم و التبرىء من الشيخين كما ذكرناه في مذاهبهم ثم حدث فيهم بعد القول بالإمام المعصوم و كثرت التأليف في مذاهبهم. و جاء الإسماعيلية منهم يدعون الوهية الإمام بنوع من الحلول و آخرون يدعون رجعة من مات من الأئمة بنوع التناسخ، و آخرون منتظرون مجيء من يقطع بموته منكم و آخرون منتظرون عود الأمر في أهل البيت مستدلين على ذلك بما قدمناه من الأحاديث في المهدي و غيرها. ثم حدث أيضاً عند المتأخرين من الصوفية الكلام في الكشف و فيما وراء الحس و ظهر من كثير منهم القول على الإطلاق بالحلول و الوحدة فشاركوا فيها الإمامية و الرافضة لقولهم بألوهية الأئمة و حلول الإله فيهم.
و ظهر منهم أيضاً القول بالقطب و الإبدال و كأنه يحاكي مذهب الرافضة في الإمام و النقباء. و أشربوا أقوال الشيعة و توغلوا في الديانة بمذاهبهم، حتى جعلوا مستند طريقهم في لبس الخرقة أن علياً رضي الله عنه ألبسها الحسن البصري و أخذ عليه العهد بالتزام الطريقة. و اتصل ذلك عنهم بالجنيد من شيوخهم. و لا يعلم هذا عن علي من وجه صحيح. و لم تكن هذه الطريقة خاصة بعلي كرم الله وجهه بل الصحابة كلهم أسوة في طريق الهدى و في تخصيص هذا بعلي دونهم رائحة من التشيع قوية يفهم منها و من غيرها من القوم دخلهم في التشيع و انخراطهم في سلكه. و ظهر منهم أيضاً القول بالقطب و امتلأت كتب الإسماعيلية من الرافضة و كتب المتأخرين من المتصوفة بمثل ذلك في الفاطمي المنتظر و كان بعضهم يمليه على بعض و يلقنه بعضهم عن بعض و كانة مبني على أصول واهية من الفريقين و ربما يستدد بعضهم بكلام المنجمين في القرانات و هو من نوع الكلام في الملاحم و يأتي الكلام عليها في الباب الذي يلي هذا. و أكثر من تكلم من هؤلاء المتصوفة المتأخرين في شأن الفاطمي، ابن العربي، الحاتمي في كتاب عنقاء مغرب و ابن قسي في كتاب خلع النعلين و عبد الحق بن سبعين و ابن أبي واصل تلميذه في شرحه لكتاب خلع النعلين. و أكثر كلماتهم في شأنه ألغاز و أمثال و ربما يصرحون في الأقل أو صرح مفسرو كلامهم. و حاصل مذهبهم فيه على ما ذكر ابن أ بي واصل أن النبؤة بها ظهر الحق و الهدى بعد الضلال و العمى و أنها تعقبها الخلافة ثم يعقب الخلافة الملك ثم يعود تجبراً و تكبراً و باطلاً. قالوا: و لما كان في المعهود من سنة الله رجوع الأمور إلى ما كانت وجب أن يحيا أمر النبؤة و الحق بالولاية ثم بخلافتها ثم يعقبها الدجل مكان الملك و التسلط ثم يعود الكفر بحاله يشيرون بهذا لما وقع من شأن النبؤة و الخلافة بعدها و الملك بعد الخلافة. هذه ثلاث مراتب. و كذلك الولاية التي هي لهذا الفاطمي و الدجل بعدها كناية عن خروج الدجل على أثره و الكفر من بعد ذلك فهي ثلاث مراتب على نسبة الثلاث المراتب الأولى. قالوا: و لما كان أمر الخلافة لقريش حكماً شرعياً بالإجماع الذي لا يوهنه إنكار من يزاول علمه وجب أن تكون الإمامة فيمن هو أخص من قريش بالنبي صلى الله عليه و سلم إما ظاهراً كبني عبد المطلب و إما باطناً ممن كان من حقيقة الآل، و الآل من إذا حضر لم يلقب من هو آله.
و ابن العربي الحاتمي سماه في كتابه عنقاء مغرب من تأليفه: خاتم الأولياء و كنى عنه بلبنة الفضة إشارة إلى حديث البخاري في باب خاتم النبيين قال صلى الله عليه و سلم: مثلي فيمن قبلي من الأنبياء كمثل رجل ابتنى بيتاً و أكمله حتى إذا لم يبق منه إلا موضع لبنة فأنا تلك اللبنة فيفسرون خاتم النبيين باللبنة حتى أكملت البنيان و معناه النبي الذي حصلت له النبؤة الكاملة. و يمثلون الولاية في تفاوت مراتبها بالنبؤة و يجعلون صاحب الكمال فيها خاتم الأولياء أي حائز الرتبة التي هي خاتمة الولاية كما كان خاتم الأنبياء حائزاً للمرتبة التي هي خاتمة النبؤة. فكنى الشارح عن تلك المرتبة الخاتمة بلبنة البيت في الحديث المذكور.
و هما على نسبة واحدة فيهما. فهي لبنة واحدة في التمثيل. ففي النبؤة لبنة ذهب و في الولاية لبنة فضة للتفاوت بين الرتبتين كما بين الذهب و الفضة. فيجعلون لبنة الذهب كناية عن النبي صلى الله عليه و سلم و لبنة الفضة كناية عن هذا الولي الفاطمي المنتظر و ذلك خاتم الأنبياء و هذا خاتم الأولياء. و قال ابن العربي فيما نقل ابن أبي واصل عنه و هذا الإمام المنتظر هو من أهل البيت من ولد فاطمة و ظهوره يكون من بعد مضي ( خ ف ج ) من الهجرة و رسم حروفاً ثلاثة يريد عددها بحساب الجمل و هو الخاء المعجمة بواحدة من فوق ستمائة و الفاء أخت القاف بثمانين و الجيم المعجمة بواحدة من أسفل ثلاثة و ذلك ستمائة و ثلاث و ثمانون سنة و هي آخر القرن السابع و لما انصرم هذا العصر و لم يظهر حمل ذلك بعض المقلدين لهم على أن المراد بتلك المدة مولده و عبر بظهوره عن مولده و أن خروجه يكون بعد العشر السبعمائة فإنه الإمام الناجم من ناجية المغرب. قال: و إذا كان مولده كما زعم ابن العربي سنة ثلاث و ثمانين و ستمائة فيكون عمره عند خروجه ستاً و عشرين سنة قال و زعموا أن خروج الدجال يكون سنة ثلاث و أربعين و سبعمائة من اليوم المحمدي و ابتداء اليوم المحمدي عندهم من يوم وفاة النبي صلى الله عليه و سلم إلى تمام ألف سنة قال ابن أبي واصل في شرحه كتاب خلع النعلين الولي المنتظر القائم بأمر الله المشار إليه بمحمد المهدي و خاتم الأولياء و ليس هو بنبي و إنما هو ولي ابتعثه روحه و حبيبه. قال صلى الله عليه و سلم: العالم في قومه كالنبي في أمته. و قال: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل و لم تزل البشرى تتابع به من أول اليوم المحمدي إلى قبيل الخمسمائة نصف اليوم و تأكدت و تضاعفت بتباشير المشايخ بتقريب وقته و ازدلاف زمانه منذ انقضت إلى هلم جرا قال و ذكر الكندي: أن هذا الولي هو الذي يصلي بالناس صلاة الظهر و يجدد الإسلام و يظهر العدل و يفتح جزيرة الأندلس و يصل إلى رومية فيفتحها و يسير إلى المشرق فيفتحه و يفتح القسطنطيبية و يصير له ملك الأرض فيتقوى المسلمون و يعلو الإسلام و يطهر دين الحنيفية فإن من صلاة الظهر إلى صلاة العصر وقت صلاة قال عليه الصلاة و السلام: ما بين هذين وقت و قال الكندي أيضاً: الحروف العربية غير المعجمة يعني المفتتح بها سور القرآن جملة عددها سبعمائة و ثلاث و أربعون و سبع دجالية ثم ينزل عيسى في وقت صلاة العصر فيصلح الدنيا وتمشي الشاة مع الذئب ثم مبلغ ملك العجم بعد إسلامهم مع عيسى مائة و سبعون عاماً عدد حروف العجم ( ق ي ن ) دولة العدل منها أربعون عاماً قال ابن أبي واصل و ما ورد من قوله لا مهدي إلا عيسى فمعناه لا مهدي تساوي هدايته ولايته و قيل لا يتكلم في المهد إلا عيسى و هذا مدفوع بحديث جريج و غير. و قد جاء في الصحيح أنه قال: ( لا يزال هذا الأمر قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليهم اثنا عشر خليفة يعني قرشياً ).
و قد أعطى الوجود أن منهم من كان في أول الإسلام و منهم من سيكون في آخره. و قال: الخلافة بعدي ثلاثون أو إحدى و ثلاثون أو ست و ثلاثون وانقضاؤها في خلافة الحسن و أول أمر معاوية فيكون أول أمر معاوية خلافة أخذاً بأوائل الأسماء فهو سادس الخلفاء و أما سابع الخلفاء فعمر بن عند العزيز. و الباقون خمسة من أهل البيت من ذرية علي يؤيده قوله: ( إنك لذو قرنيها ) يريد الأمة أي إنك لخليفة في أولها و ذريتك في آخبرها. و ربما استدل بهذا الحديث القائلون بالرجعة. فالأول هو المشار إليه عندهم بطلوع الشمس من مغربها. و قد قال صلى الله عليه و سلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده و إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده و الذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله و قد انفق عمر بن الخطاب كنوز كسرى في سبيل الله و الذي يهلك قيصر و ينفق كنوزه في سبيل الله هو هذا المنتظر حين يفتح القسطنطينية: فنعم الأمير أميرها و نعم الجيش ذلك الجيش.
كذا قال صلى الله عليه و سلم: و مدة حكمه بضع و البضع من ثلاث إلى تسع و قيل إلى عشر و جاء ذكر أربعين و في بعض الروايات سبعين. و أما الأربعون فإنها مدته و مدة الخلفاء الأربعة الباقين من أهله القائمين بأمره من بعده على جميعهم السلام قال و ذكر أصحاب النجوم و القرانات أن مدة بقاء أمر و أهل بيته من بعده مائة و تسعة و خمسون عاماً فيكون الأمر على هذا جارياً على الخلافة و العدل أربعين أو سبعين ثم تختلف الأحوال فتكون ملكاً انتهي كلام ابن أبي واصل. و قال في موضع آخر: ( نزول عيسى يكون في وقت صلاة العصر من اليوم المحمدي حين تمضي ثلاثة أرباعه ) قال و ذكر الكندي يعقوب بن إسحاق في كتاب الجفر الذي ذكر فيه القرانات: ( أنه إذا وصل القرآن إلى الثور على رأس ضح بحرفين الضاد المعجمة و الحاء المهملة ) يريد ثمانية و تسعين و ستمائة من الهجرة ينزل المسيح فيحكم في الأرض ما شاء الله تعالى قال و قد ورد في الحديث أن عيسى ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ينزل بين مهرودتين يعني حلتين مزعفرتين صفراوين ممصرتين واضعاً كفيه على أجنحة الملكين له لمة كأنما خرج من ديماس إذا طأطأ رأسه قطر و إذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ كثير خيلان الوجه و في حديث آخر مربوع الخلق و إلى البياض و الحمرة. و في آخر: أنه يتزوج في الغرب. و الغرب دلو البادية يريد اله يتزوج منها و تلد زوجته. و ذكر وفاته بعد أربعين عاماً. و جاء أن عيسى يموت بالمدينة و يدفن إلى جانب عمر بن الخطاب. و جاء أن أبا بكر و عمر يحشران بين نبيين قال ابن أبي واصل: ( و الشيعة تقول إنه هو المسيح مسيح المسائح من آل محمد قلت و عليه حمل بعض المتصوفة حديث لا مهدي إلا عيسى أي لا يكون مهدي إلا المهدي الذي نسبته إلى الشريعة المحمدية نسبة عيسى إلى الشريعة الموسوية في الاتباع و عدم النسخ إلى كلام من أمثال هذا يعينون فيه الوقت و الرجل و المكان بأدلة واهية و تحكمات مختلفة فينقضي الزمان و لا أثر لشيء من ذلك فيرجعون إلى تحديد رأي آخر تنتحل كما تراه من مفهومات لغوية و أشياء تخييلية و أحكام نجومية في هذا انقضت أعمار أن أول منهم و الآخر.
و أما المتصوفة الذين عاصرناهم فأكثرهم يشيرون إلى ظهور رجل مجدد لأحكام الملة و مراسم الحق و يتحينون ظهوره لما قرب من عصرنا فبعضهم يقول من ولد فاطمة و بعضهم يطلق القول فيه سمعناه من جماعة أكبرهم أبو يعقوب البادسي كبير الأولياء بالمغرب كان في أول هذه المائة الثامنة و أخبرني عنه حافده صاحبنا أبو يحيى زكرياء عن أبيه أبي محمد عبد الله عن أبيه الولي أبي يعقوب المذكور هذا آخر ما اطلعنا عليه أو بلغنا من كلام هؤلاء المتصوفة و ما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا و الحق الذي ينبغي أن يتقرر لديك أنه لا تتم دعوة من الدين و الملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره و تدافع عنه من يدفعه حتى يتم أمر الله فيه. و قد قررنا ذلك من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك و عصبية الفاطميين بل و قريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق و وجد أمم آخرون قد اشتغلت عصبيتهم على عصبية قريش إلا ما بقي بالحجاز في مكة و ينبع بالمدينة من الطالبين من بني حسن و بني حسين و بني جعفر و هم منتشرون في تلك البلاد و غالبون عليها و هم عصائب بدوية متفرقون في مواطنهم و إماراتهم يبلغون آلافاً من الكثرة فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهور دعوته إلا بأن يكون منهم و يؤلف الله بين قلوبهم في اتباعه حتى تتم له شوكة و عصبة وافية بإظهار كلمته و حمل الناس عليها و أما على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الأفاق من غير عصبية و لا شوكة إلا مجرد نسبة في أهل البيت فلا يتم ذلك و لا يمكن لما أسلفناه من البراهين الصحيحة. و أما ما تدعيه العامة و الأغمار من الدهماء ممن لا يرجع في ذلك إلى عقل يهديه و لا علم يفيده فيجيبون ذلك على غير نسبة و في غير مكان تقليداً لما اشتهر من ظهور فاطمي و لا يعلمون حقيقة الأمر كما بيناه و أكثر ما يجيبون في ذلك القاصية من الممالك و أطراف العمران مثل الزاب بأفريقية و السوس من المغرب. و نجد الكثير من ضعفاء البصائر يقصدون رباطاً بماسة لما كان ذلك الرباط بالمغرب من الملثمين من كدالة و اعتقادهم أنه منهم أو قائمون بدعوته زعماً لا مستند لهم إلا غرابة تلك الأمم و بعدهم عن يقين المعرفة بأحوالها من كثيرة أو قلة أو ضعف أو قوة و لبعد القاصية عن منال الدولة و خروجها عن نطاقها فتقوى عندهم الأوهام في ظهوره هناك بخروجه عن برقة الدولة و منال الأحكام و القهر و لا محصول لديهم في ذلك إلا هذا. و قد يقصد ذلك الموضع كثير من ضعفاء العقول للتلبيس بدعوة يمييه تمامها وسواساً و حمقاً و قتل كثير منهم. اخبرني شيخناً محمد بن إبراهيم الأبلي قال خرج برباط ماسة لأول المائة الثامنة و عصر السلطان يوسف بن يعقوب رجل من منتحلي التصوف يعرف بالتويرزي نسبة إلى توزر مصغراً و ادعى أنه الفاطمي المنتظر و اتبعه الكثير من أهل السوس من ضالةً و كزولة و عظم أمره و خافه رؤساء المصامدة على أمرهم فدس عليه السكسوي من قتله بياتاً و انحل أمره. و كذلك ظهر في غمارة في آخر المائة السابعة و عشر التسعين منها رجل يعرف بالعباس و ادعى أنه الفاطمي و اتبعه الدهماء من غمارة و دخل مدينة فاس عنوة و حرق أسواقها و ارتحل إلى بلد المزمة فقتل بها غيلة و لم يتم أمره. و كثير من هذا النمط. و أخبرني شيخنا المذكور بغريبة في مثل هذا و هو أنه صحب في حجة في رباط العباد و هو مدفن الشيخ أبي مدين في جبل تلمسان المطل عليها رجلاً من أهل البيت من سكان كربلاء كان متبوعاً معظماً كثير التلميذ و الخادم. قال و كان الرجال من موطنه يتلقونه بالنفقات في أكثر البلدان. قال و تأكدت الصحبة بيننا في ذلك الطريق فانكشف لي أمرهم و أنهم إنما جاءوا من موطنهم بكر بلاء لطلب هذا الأمر و انتحال دعوة الفاطمي بالمغرب. فلما عاين دولة بني مرين و يوسف بن يعقوب يومئذ منازل تلمسان قال لأصحابه ارجعوا فقد أزرى بنا الغلط و ليس هذا الوقت وقتنا. و يدل هذا القول من هذا الرجل على أنه مستبصر في أن الأمر لا يتم إلا بالعصبية المكافئة لأهل الوقت فلما علم أنه غريب في ذلك الوطن و لا شوكة له و أن عصبية بني مرين لذلك العهد لا يقاومها أحد من أهل المغرب استكان و رجع إلى الحق و أقصر عن مطامعه. و بقي عليه أن يستيقن أن عصبية الفواطم و قريش أجمع قد ذهبت لا سيما في المغرب إلا أن التعصب لشأنه لم يتركه لهذا القول و الله يعلم و أنتم لا تعلمون. و قد كانت بالمغرب لهذه العصور القريبة نزعة من الدعاة إلى الحق و القيام بالسنة لا ينتحلون فيها دعوة فاطمي و لا غيره و إنما ينزع منهم في بعض الأحيان الواحد فالواحد إلى إقامة السنة و تغيير المنكر و يعتني بذلك و يكثر تابعه و أكثر ما يعنون بإصلاح السابلة لما أن أكثر فساد الأعراب فيها لما قدمناه من طبيعة معاشهم فيأخذون في تغيير المنكر بما استطاعوا إلا أن الصبغة الدينية فيهم لم تستحكم لما أن توبة العرب و رجوعهم إلى الدين إنما يقصدون بها الإقصار عن الغارة و النهب لا يعقلون في توبتهم و إقبالهم إلى مناحي الديانة غير ذلك لأنها المعصية التي كانوا عليها قبل المقربة و منها توبتهم. فتجد ذلك المنتحل للدعوة و القائم بزعمه بالسنة غير متعمقين في فروع الاقتداء و الاتباع إنما دينهم الإعراض عن النهب و البغي و إفساد السابلة ثم الإقبال على طلب الدنيا و المعاش بأقصى جهدهم. و شتان بين طلب هذا الأجر من إصلاح الخلق و من طلب الدنيا فاتفاقهما ممتنع لا تستحكم له صبغة في الدين و لا يكمل له نزوع عن الباطل على الجملة و لا يكثرون. و يختلف حال صاحب الدعوة معهم في استحكام دينه و ولا يته في نفسه دون تابعه فإذا هلك انحل أمرهم و تلاشت عصبتهم و قد وقع ذلك بأفريقية لرجل من كعب من سليم يسمى قاسم بن مرة بن أحمد في المائة السابعة ثم من بعده لرجل آخر من بادية رياح من بطون منهم يعرفون بمسلم و كان يسمى سعادة و كان أشد ديناً من الأول و أقوم طريقة في نفسه و مع ذلك فلم يستتب أمر تابعه كما ذكرناه حسبما يأتي في ذكر ذلك في موضعه عند ذكر قبائل سليم و رياح و بعد ذلك ظهر ناس بهذه الدعوة يتشبهون بمثل ذلك و يلبسون فيها و ينتحلون اسم السنة و ليسوا عليها إلا الأقل فلا يتيم لهم و لا لمن بعدهم شيء من أمرهم. انتهى.