Genius Arabia
L’Algérianisation Du Rap | جزأرة الراب
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
مقدمة
قامت الشعوب الإنسانية منذ الأزل و في جميع مجالات الحياة باستيراد أشياء من أمكنة أجنبية مغايرة لفكرها و معتقداتها و لغتها، لكن هذا الاستيراد لم يكن نسخا و لصقا بل كان بإعطاء صبغة و هوية جديدة لوارداتها. ومن بين المجالات التي عرفت هذه التقنية بكثرة هي المجال الثقافي و الفني نظرا للتبادل الثقافي بين الشعوب و الحضارات الذي كان و لا يزال و سيستمر (و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ). حتى نتحدث عن موضوعنا اليوم يجب أن نتطرق إلى مصطلح الجزأرة، لغويا في المعجم العربي الحديث هي كلمة مشتقة من اسم الجزائر و يقصد بها العمل وفق ما هو جزائري أو جعل الشيء جزائريا. ظهر هذا المصطلح في فترة حكم الزعيم الراحل هواري بومدين و هو أول من نطق به، حيث كان هذا المصطلح ضمن مشروع إرجاع الهوية الجزائرية (عربية ، أمازيغية، إسلامية) لكل ربوع الوطن يعني (أسماء شوارع، مدن، مدارس، مؤسسات عمومية ....الخ )، و هذا بعد أن قامت القوة الاستعمارية بطمسها طيلة 132 سنة من وجودها
فكيف تمت جزأرة في الراب الجزائري ؟ و من كان سباقا لهذه الفكرة ؟ و كيف تلقى جمهور الموسيقى هذا الجهد ؟
في بداية إرهاصات الراب الجزائري منذ بداية التسعينات كان لزاما على الرابرز و المجموعات التي حملت مشعل هذا الفن أن تعطي صبغة جزائرية لهذا الفن بحكم أنه مجهول في الجزائر و لا يمكن المخاطرة و المغامرة بمصيره، فتلك الخطوات كانت البداية و ما أهم البداية في أي مشروع، فلكم أن تتوقعوا ماذا لو أنهم فشلوا في تلك الفترة؟ ومنه نهاية الراب في الجزائر
و بطبيعة الحال ليس بالأمر الهين أن تغير هوية و طريقة أداء لون موسيقي أمريكي ، هذا الأمر احتاج إلى بحث و جهد و عمل موسيقي عميق جدا من طرف أناس مبدعة و هذا الجهد كان على كل المستويات من لحن، أنسترومنتال، فلاو، تقنيات ، كلمات، مواضيع، و حتى طريقة الكليب
لا يمكن أن نتحدث عن مقومات أغنية راب مجزأرة بطريقة مفصلة حيث أن الرابرز الجزائريين الذي قاموا بهذه العملية على الراب في أغنية ما قاموا بالعمل على أكثر من مقوم (بيت - لحن - كلمات ...الخ) لذا سنتحدث بإجمال، فعلى مستوى التلحين مثلا كان الأمر سهلا بعض الشيء مما أعطى أملا و تحفيزا لمواصلة جزأرة الراب و هذا راجع لشساعة و كبر و غنى الثقافة و الألوان الموسيقية في الجزائر و اختلافها أصولها من (عربي، أمازيغي، إفريقي، متوسطي، إسلامي) و كمثال على ذلك سنأخذ أحد أقدم ألبومات الراب الجزائري من مجموعة الميكرو يبريزي السكات '' أولاد البهجة '' 1998 ،خاصة في الأغنية التي أحدثت قنبلة في الجزائر في تلك الفترة التي تحمل اسم عنوان الألبوم، هذه الأغنية التي قطعت مسافة بالراب و أعطت له مكانة محترمة في أذن المستمع بذلك الروفران (اللازمة) الجميل من أداء هجيرة المرفوق بتربيعات الدربوكة العاصمية في فن الشعبي و أصبح الأمر علامة مسجلة باسم الميم باء سين (في ما يخص الشعبي) إضافة إلى إدراج الراي في كلاسيك حبيبتي عوامة و مزال عضو المجموعة دياز يواصل المنهجية في أغلبية مقاطعه حتى الآن بطريقة خرافية على جميع المستويات في أغاني 'سيفيل في بلاد العسكر' ، حاصل'، ما تدعش علينا ...الخ،حيث كان هذا الفن الأصيل حاضرا في أعماله كما سبق وذكرنا على جميع المستويات (تلحين المقاطع و الروفران، نوعية سجل أو قاموس كلمات النص المستعمل و الآلات الموسيقية المدرجة في الإنتاج الموسيقي حتى في طريقة الفيديو كليب). مثال آخر مجموعة الطوكس في ثاني ألبوم لها في مسيرتها سنة 2000 "غير هاك" في الأغنية التي تحمل اسم الألبوم حيث كان لحن اللازمة من الفن المسمى الوهراني (أحمد وهبي ، بلاوي الهواري) فوق أنغام أنسترومنتال بنكهة وهرانية رايوية رائعة، (استعملت تلك الأغنية في أفلام مجموعة بلا حدود الفكاههية كموسيقى تصويرية) لتقدم في نفس الألبوم مقطع 'واش يا' من خلال سمابل '' القصبة '' في الانسترومنتال و نفس الشيء و بقوة كبير في أغنية 'دور الشيز' حيث تم إدراج إيقاعات و ألحان متعددة من شعبي، لوهراني أصيل، إلى إلى راي (شهلة لعيالي، الهرابة شاب خالد) و واصلوا العمل على الجزأرة في أغلبية أعمالهم و هذا ظاهر أكثر في ألبومات الشيخ مليك (راب الملحون) العلامة المسجلة باسم فادا فكس المقتبس من الشعر الشعبي الملحون من خلال نوعية الكلمات المختارة من قاموس الشعر الشعبي و حتى سامبل البيت الذي كان بين أنغام احمد وهبي و الشيخ بلاوي الهواري و القناوي و الديوان في أغنية قولو السلام (كومبيلاسيون ريحة البلاد)، الروجة في ميكستايب حبر على ورق و مقطع قرقابو رفقة الحاس بانيس و أبرزاكس مع المبدع ليل جي تونر. نذهب لمثال أخير مع الزعيم أزباك مبدع الراب العروبي في نسختيه الشهريتين اللتان بلغ صداهما المغرب العربي عندما تفنن نبيل فوق ألحان زعاف ريكوردز بأنامل أمين إيزي أف (دكتور دري الجزائري) حيث زاوج المنتج بين القصبة و ريتم البوم باب بفلاو عروبي حتى في إلقاء الكلمات بطريقة البدو في منطقة الغرب الجزائري، ضف إلى ذالك التعاون مع فرقة 'لازون كا' في ألبوم فيت فالطريق من خلال إضافة القناوي و القرقابو
و كعصارة فيما يخص من ذكرتهم، ميكرو يبريزي السكات و الطوكس و اللاكس هم أكثر من عمل و اجتهد في جزأرة الراب مما أعطى لهم مكانة في الأذن الموسيقية المثقفة الجزائرية و حتى خارج الحدود
و حتى لا نبخل جميع الأجيال، حتى في المدرسة الجديدة استطاع الكثير تجميل أعمالهم بألحان من الثقافة الموسيقية الجزائرية، على سبيل المثال مجموعة أفريكا جنغل حيث كانت أغنية روبو في ميكستايب ''جنغل صولدة'' أول عمل لهم خارج البلاد حيث قدموا راب عالمي فوق نغمة الغايطة و القصبة و كان ذلك واضحا و مقصودا في نص ناز دوس و روفران '' عربي ماشي ماريكان " ليواصل المبدع سولكينغ ذلك في أعماله المنفردة و هذا ظاهر في شيء يسمى في الوسط الموسيقي الجزائري " الطلعات " التي تعددت بين السلم الشرقي ، المالوف ، الحوزي ، القناوي في مقاطع ( فيدا لوكا ، بارب نوار ، دنيا ،أياياي )
فرقة ليزانفانصيبل الصاعدة من ولاية مستغانم قدمت في نهاية 2016 ألبوم الشوك ''الصدمة'' في مقطعين غود دايز و مقطع وانا نقاسي عندما تم إدارج القرقابو و الإيقاع البروالي في الأنسترومنتال و ألحان الروفران حتى في فلاو الأداء من طرف الأعضاء ( سناكو ـ أبرا ، موس بوسكي)
رامي دوبل بومب من ولاية تبسة قدم روفران شعبي رائع في كليب نكاسطيبليو ، لنبقى دائما في ولاية تبسة مع مجموعة إيفوك التي أضافت نكهة الشاوي على إيقاعات الهاوس في مقطع 'أي أي أي' من أداء موزارت و داكيلا
مجموعة أخرى أقل شهرة من سابقيها هي مجموعة كوشمار من المشرية بولاية النعامة حيث قدمو في 2011 إنترو لأحد ألبوماتهم قناوي راب في خليط رائع حيث انصهرت الثقافة الأمريكية داخل موسيقى القناوي في البيت أو الرفران و حتى الكلمات
الرابر 'مسلم فخور' من ولاية الأغواط قدم على المباشر في المولد النبوي الشريف بولاية بشار مديحا دينا عن الرسول الشريف و الإسلام عموما فوق أنغام الدف و إيقاع الأنشودة الإسلامية بكلمات و فلو أمريكي بعنوان صلوا على النبي
لا يمكن بطبيعة الحال ذكر الجميع لكثرة من أبدعو في هذا المجال سواء من قدماء الرابرز أو من الجيل الثاني أو من المدرسة الجديدة
أحدثت هذه المنهجية ثورة في الراب الجزائري و لاقت إعجابا من الجمهور العريض بمختلف شرائحه و هذا أمر منطقي، و إلا فكيف نفسر قيام كبار الرابرز الفرنسيين و الأجانب على العموم من أصول إفريقية باستخدمها في أغانيهم الجديدة (الأفرو تراب بالنسبة لإفريقيا السوداء، و الشاوي و الراي بالنسبة للجزائريين -لالجيرنو على سبيل المثال-)